top of page

لماذا أنت علماني؟!



لتغلق الباب أمام الناس لفهم أي مفهوم أو مصطلح، كل ما عليك فعله هو تشويه تعريف المفهوم، بدمجه بكل خطأ فردي أو جماعي في مجتمعك أو في المجتمعات الأخرى، واستخدام المصطلحات الدينية الرنّانة مثل: الأخلاق النار العُريّ…إلخ، كي تُثبت المفهوم في أذهان الناس وهو مصحوب بأشكال عديدة وصور عدّة من أشياء تثير مخاوفهم أو تستفز “العربيّ البدوّي الأصيل” داخلهم، ليقف وقفة صارمة أمام هذا المفهوم، فإما أن يتوقف عن السعي لفهم المفهوم أو البحث عن كل ما يتعلق به، وإما أن يحارب كل من يناقش أو يتحدث عن المهفهوم!

ولعلّ أحد أكثر المفاهيم تعرضا للتشويه، بل والتقطيع والتجزئة والتمرغة كذلك في وحل “المفردات القذرة والمفاهيم المغلوطة”، هو العلمانية؛ يكفي أن تقول أنّ فلان “علماني” أو يدعو للعلمانية، حتى تتراقص في أذهان الناس صورا شيطانية عدّة، من “الكحوليات” إلى “شاطئ” تستلقي عليه النساء شبه عاريات!، وليس المُراد من هذا المثال التدخل في خصوصيات الناس، بل توضيح أحد أهم آليات محاربة الأفكار نجاعة في المجتمعات الشرق أوسطية،وهي نسب كل ما لا يتوافق مع هذه المجتمعات فكريا إلى أي شيء غربي متوّج بفكرة: الكفر والتدني الأخلاقي.

وكذلك، أحد أهمّ الأسباب التي أدّت فعلا تشويه صورة “العلمانية” كمفهوم، هو انتماء كل فرد يريد أن يجد لنفسه مجالا ضيّقا أو واسعا من الحرية، إلى العلمانية، يكفي أنّه يريد أن يتيح لنفسه مجالا واسعا من حرية التخلي عن المفاهيم الدينية، فيصف نفسه بالعلمانية، فيخلط بين الإلحاد أو حتى بين اللادينية والعلمانية!، أو أنه يبحث لنفسه -ذكرا كان أم أنثى- متنفسا ومجالا واسعا في حرية التعرف بالجنس الآخر وحرية التواصل والالتقاء معه كرفض للتقاليد أو القيود المجتمعية، فينسب نفسه للعلمانية، فيخلط بين التمرد على ثوابت مجتمعية وبين العلمانية…. إلخ من هذه الظواهر التي باتت اليوم براهينا وحججا لكل محارب للعلمانية ليثبت أنّها -أي العلمانية- آفة على المجتمعات المسلمة وطريقة لتفكيكها وتفكيك أواصرها.

لست هنا بصدد الوقوف على الشواهد التاريخية للحركة العلمانية أو تاريخ نشأة المفهوم كمصطلح أو كتطبيق أو كحركة، سأكتفي فقط أن أتطرق لسلكوكيات بسيطة، أنا شخصيا كعلمانيّ أطبقها وأعيشها وأنا في تسامح تام مع نفسي، وهي:

– العلمانية لا تعني الإلحاد ولا الكفر ولا التنصل من أيّ دين، بل هي أن تحترم الآخر مهما كان دينه وتوجهه، وأن تؤمن بحقه الكامل مثلك تماما، في حرية العيش والتنقل والمعتقد والفكر..إلخ.

– العلمانية ليست شتيمة الأديان ووصفها بالرجعية أو التخلف، بل هي إيجاد أرضية مشتركة بين هذه الأديان لتوسيع رقعة التلاقي، وتقليل فرص الاصطدام.

– العلمانية الضمان الوحيد اليوم، لمجتمع حر منفتح متعافي من ترسبات المذهبية والنعرات الطائفية والتحزبات القبلية!. وهو ما نراه فعلا ماثلا اليوم، في معظم البلدان العربية للأسف، فليس كافيا أن تكون الدولة إسلامية، بل يجب أن يتم ترجمة هذا الإسلام حسب مذهب معيّن، وللأسف، لكل دولة مذهبها الغالب على آخر، فمهما ادّعت أيّ دولة أنها متسامحة وعلى وفاق مع كل المذاهب، إلا أنه مؤسساتيا، ستجد مذهبا ما بعينه هو الأكثر انتشارا، وهو المسيطر على مؤسسات الدولة الدينية، وهو المؤثر على قرار السلطة حول مواقيت المناسبات الدينية!.

– العلمانية ليست كأس نبيذ تشاركه مجموعة من الأصدقاء في سهرة، بل هي تشارك الأشخاص الجلوس على طاولة واحدة، الذي يشرب الكحول والذي يشرب، الذي يأكل لحم خنزير والذي لا يأكل، الذي يؤمن بالله والذي لا يؤمن، المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي واللاديني والهندوسي….إلخ. دون أن تفرض اعتقادك على الآخرين.

– العلمانية ليست الهجوم على الأديان، كما يحدث في بعض المؤسسات الإعلامية الغربية للأسف، ولا الهجوم على المذاهب الأخرى، أو التشهير بالناشطين كذلك، كما يحدث مع بعض مثقفي الخليج للأسف الذين يرون في العلمانية أنها الجانب “المتسامح الخفيّ” المتفرع من مذهب ما، أو الجانب “المترف السخيّ” الذي تحدده وترسم خطوطه السلطة الحاكمة!.

أنا علمانيّ نعم، أؤمن أن هذا الكون يتسع للجميع، وأننا جميعا نستطيع العيش تحت سقف واحد، وأن الإنسانية هي الدائرة المفتوحة على كافة الاختلافاتـ، التي إذا انتميت إليها ستترجم سلاما وتسامحا حقيقيا في سلوكك وتصرفك، وليس فقط مجرد شعارات رنّانة للثرثرة بها!.


Nabhan Al Hanshi
نبهان الحنشي
  • Facebook Social Icon
  • Twitter Social Icon
bottom of page