عمان الخارج، عمان الداخل.
أحد الركائز الأساسية لصورة الدول اليوم، تعتمد على أدائها في سياستها الخارجية. هذه السياسة لا تعني بالضرورة علاقة دولة بأخرى، بقدر رأي الدولة حول نظام الدولة الأخرى. العلاقة عادة ما كان يحكمها نوع المصالح المتبادلة بين البلدين، حتى عام 2011، الذي شهد عددا من الثورات في عدد من البلدان العربية. كان لها أثرها الواضح والمباشر على تبدل علاقات كثير من الدول ببعضها، إما للطائفة أو المذهب أو حتى الاقتصاد، لكن لم يكن لهذه العلاقة أي صلة بالجانب الحقوقي للأسف.
ظهرت عمان في الفترة الأخيرة كــ “حمامة سلام” في ملفات العلاقات الخارجية للدول الكبرى، فقد ساهمت بصورة أساسية إلى توصل الدول الكبرى الــ 5+1 إلى إنهاء أزمة الملف النووي الإيراني، بالتالي رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت حاصرت إيران لأكثر من ثلاثة عقود، بعد الثورة الإسلامية التي أسقطت نظام الشاه، وفرضت سلطة جديدة لنظام المرشد. ولكن، هذا الاتفاق السياسي/الاقتصادي، تجاهل تماما كافة الملاحظات السلبية ضد إيران المتعلقة بالملف الحقوقي في الداخل الإيراني. وتجاهل قضايا كثيرة مثل قضيتي “البلوش” و “الأحواز”.
كما تعمل عمان جاهدة كذلك، على إنهاء الأزمة السورية، ولكن الأزمة إيّاها يبدو أنها أكثر صعوبة وتعقيدا، ليس بسبب الأطراف السورية نفسها (النظام والمعارضة وباقي الأطراف المتقاتلة)، بل للتدخل الإقليمي الواسع والمعقد كذلك في هذه الأزمة، سواء الغربي أو العربي، مع النظام أو ضد النظام. ولكن، الواضح جليا أن الحكومة العمانية من الداعمين لسياسة النظام السوري، وأحد الأطراف التي فيما يبدو أنها لن تتخلى عنه للنهاية. لذلك، وعلى ما يبدو أن إنهاء الأزمة السورية حسب السيناريو العماني، سيكون عبر إبقاء نظام الأسد، مع ضمان مشاركة المعارضة في السلطة، وهنا يجب أن نبحث عن معنى آخر تماما للمعارضة، فالبطبع لن تكون المعارضة التي تناضل في الميدان.
الدور العماني في حلحلة الملفات العالقة الخارجية، لا يبدو في الحقيقة أمر سيء على الإطلاق، بل على العكس، الكل يحلم بعالم آمن سالم من الحروب والاقتتال والمشاكل العنصرية والدينية والطائفية. إلا أنّ هذه “الحلحلة” تتطلب حلولا جذرية وليس حلولا “مؤقتة”. خاصة أننا نعلم يقينا، أن “دفن” المشكلة لا يعني مطلقا علاجها. وأنّ ما اتفقت عليه الأطراف اليوم ستختلف عليه غدا.
في زيارته لدمشق يوم 26 أكتوبر 2015، أكّد وزير شؤون خارجية عمان حرص بلاده على حل الأزمة السورية ووحدة أراضيه، وترحيب رئيس النظام السوري “بشار الأسد” بهذه الجهود تبعه بجملة: “ما يضع حدا لمعاناتهم من الإرهاب ويحفظ سيادة البلاد ووحدة أراضيها، مشددا على أن القضاء على الإرهاب سيسهم في نجاح أي مسار سياسي في سوريا.”
ولعلّ في رؤية “الأسد” أن الثورة السورية ما هي إلا “عمل إرهابي” مؤشر واضح ونتيجة مبكرة لــ “شكل” الحلّ السياسي الذي تسعى إليه عُمان.
من الضروري التشديد على أهمية حفظ حقوق كافة الأطراف في تواجدهم السياسي في أيّ حل قادم، ولكن، أن يتم التغاضي عن كافة جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري، فهذا أمر غير محمود العواقب البتّة. رغم أنّنا لا نستطيع إنكار “الإنحراف” الكبير الذي وصلت إليه الثورة السورية، منذ قُبول بعض أطرافها مساعدات “مشبوهة” نوعا ما، تحكمت في مسارها المستقبلي، بل وأضفى عليها طابعا “دينيا” بعد أن كانت ثورة شعب يطالب بحقوقه في المشاركة السياسية والكرامة والحرية، والتي تطورت لاحقا –بسبب عنف النظام- إلى تغيير للنظام. إلا أنّ هذا الانحراف إذا ما قمنا بتحديده، لتمكنا بسهولة من معرفة “جوانب” الخطأ والإضافة، وكذلك استبعادها عن واقع الثورة السورية، خاصة مع وجود الجيش السوري الحر، الذي لا زالت أهدافه تحرير الأرض السورية من قبضة النظام السوري، وتأسيس دولة مدنية، لا دينية، في أكثر من مناسبة.
بعض الأخطاء التي شابت الحراك الثوري في سوريا لا تلغي الثورة. وتنامي ظهور جماعات متشددة دينيا لا يُلغي أبدا حرص شريحة واسعة في الجيش الحر، وكذلك المجلس الوطني السوري إلى إقامة دولة مدنية. كذلك، لا بدّ لنا من أن نعترف، أن مساعدة إيران، وحزب الله للنظام السوري –وروسيا “عسكريا” مؤخرا-، وتدخلهم المباشر في الأزمة السورية أجّج من الصراع الطائفي، وساهم إلى تعزيز تواجد “المذهبيين” كردة فعل. وهو الأمر الذي شهدناه للأسف كذلك في البحرين سابقا، حينما دخلت القوات السعودية والإماراتية لكبح “الثورة البحرينية”.
أيّ حل سياسي، قائم على تسويات، حل سياسي مؤقت، شبيه بتأجيل حدوث “كارثة” من جيل إلى جيل آخر. وأي حل سياسي يتم التغاضي فيه عن الجانب الحقوقي، والسكوت عن جرائم أيّ طرف كذلك، سيخلق فتيل أزمة أكبر، قابل للاشتعال مستقبلا في أيّ وقت في حالة تغيّر ظروف المناخ السياسي الداخلي للبلد، أو حتى الخارجي. وعلى عمان أن تدرك، أن السلام ليس مجرد اتفاقيات يتم التنازل من خلالها عن بعض الأهداف والمصالح للإلتقاء على نقاط متشابهة أو الوقوف على أرض متساوية، بل السلام حلول جذرية تنزع الأسباب الرئيسية لنشوب الأزمات.
الحالة الحقوقية في عمان الداخل ليست جيدة، وانتهاكاتها بحق الناشطين مستمرة، وبعض الأحكام التي صدرت منذ 2011 وحتى الآن، بحق الكتّاب والناشطين، تعطي وصفا عاما وربما كذلك مفصلا، على أن عُمان الداخل تعيش أزمة حقوقية كغيرها من دول الخليج العربي، وأنّه وفق ما نشرت رويترز في 21 ديسمبر 2015، فإن الولايات المتحدة أعفت “سلطنة عمان” من انتقاد “مُحرج” لها في سجلها الحقوقي، كمكافأة لها على دورها في حل أزمة النووي مع إيران. هذه الخطوة كفيلة بحدّ ذاتها إلى تفسير اتجاه “التسويات” الذي تمارسه حاليا “عُمان”
العقلية الحقوقية، التي تحترم حق الإنسان وكرامته وتصون حريته، وتُجرّم الإرهاب أيّا كان مصدره، هي العقلية التي من المفترض بها أن تدير أيّ علمية سلام في جزء من العالم. فليس من المعقول أن تأتي أنظمة تمارس القمع مهما كانت درجته، وتمّت إدانتها في أكثر من تقرير حقوقي، وتقبع في مؤخرة الدول في الحرية، وكذلك في حرية الصحافة، أن تقود عمليات سلام، بحجة أنها دول تعيش حالة استقرار عالية المستوى، دون إشارة إلى أن نوع النظام “سلطوي مطلق”.