top of page

ما بعد قابوس: لماذا يهرب العمانيون عن هذا الواقع!


الدول التي تشهد نظاما سياسيا منظما، حتى وإن كان ديكتاتوريا أو مستبدا، تشهد عادة هدوءً واستقرارا في حالة انتقال سلطة الهرم السياسي من ملك/سلطان/رئيس إلى آخر، في حالة وفاة رأس الهرم السياسي. وعادة هذا الاستقرار ما يكون شبيها باستقرار الأنظمة الديمقراطية، مع غياب المظاهر الديمقراطية طبعا في آلية توزيع السلطة وصناعة القرار السياسي وما إلى ذلك.

عمان البلد الخليجي الوحيد والعربي والعالمي، التي لا يوجد للسطان فيها وليّا للعهد، ومن الدولة القليلة المستبدة في العالم، التي يتمتع السلطان فيها بالسلطة الكاملة، وهو أمر لا يحدث وفق الأعراف التقليدية أو الفلكلورية لأي نظام ديكتاتوري، بل أمر مشرّع ومقرّ حسب نظام الدولة الأساسي الذي وضعه السلطان بنفسه، ويتم العمل به كدستور للدولة والشعب، حيث يتضمن هذا الدستور في المادة 6 آلية تشرح كيفية انتقال السلطة، عبر اعطاء مهلة للأسرة الحاكمة – مع الانتباه لعدم رغبتي إلى وصفها الأسرة المالكة- مدة 3 أيام من أجل اختيار السلطان الجديد، وفي حالة عدم اتفاق الأسرة، يقوم مجلس الدفاع بتعيين السلطان الجديد الذي رشحه السلطان قابوس في رسالته للأسرة الحاكمة!.

ورغم هذا الجوّ المحاط برومانسية تفوق قصص العرب القديمة في كتبهم، إلا أنه لا بد من التنبه إلى خطورة هذه الخطوة، في عدة نقاط:

– السيطرة العسكرية على مجريات العمل السياسي للبلاد.

– الحضور الأمني الكثيف الذي سيمهد إلى عملية تصفيات واسعة لأي منتقد أو معارض للفكرة.

– إمكانية عدم توافق الأسرة ليس فقط على شخص السلطان، ولكن حتى على اسم السلطان المرشح من السلطان قابوس نفسه.

المراقب للوضع الحالي، عبر تكثيف دور السلطة الأمنية ممثلة بمكتب الأمن السلطاني وجهاز الأمن الداخلي، في متابعة وملاحقة أي ناشط ينتقد الحكومة مهما كانت درجة هذا الانتقاد، مع التشديد على توجيه اهتمام هؤلاء إلى محاكمات “الفساد” وتصويرها على أنها إنجاز حكومي وعمل ديمقراطي!!! وهذا يمثل قمّة الإسفاف والاستهزاء، في تجاهل السبب الحقيقي لوجود الفساد وهو الأخطاء الإدارية، وغياب الشفافية الاقتصادية، ليس فقط للمسؤوليين ولكن كذلك حول السلطان نفسه. وجميع هذه النقاط تقودنا إلى معنى واحد فقط وهو الاستبداد والطغيان المتمثل في رأس الهرم السياسي.

سيناريو ما بعد قابوس، مرحلة ليست من علم الغيب إذا ما عملنا على تأسيس برنامج واضح لها، خاصة إذا ما أصررنا على تكوين نظام سياسي سليم، قائم على فصل السلطات وتقوية دور السلطة التشريعية، على أن يكون للسلطة التنفيذية “الحكومة” مسؤوليات محددة تساءل عليها أمام البرلمان “التشريعية”، على أن يعمل البرلمان كذلك على تشكيل لجان مراقبة أداء وإعادة تقييم لعمل المؤسسة التنفيذية وتقليم أظافر المؤسسات الأمنية وعدم السماح لها في تجاوز مهامها المحددة لها وضمان عدم تدخلها في عمل المؤسسات الأخرى كما هو الحاصل الآن.

على أن يكون أهم نقلة لهذا البرنامج، هو تحديد مهام السلطان نفسه، عبر اتفاق مكتوب ينصّ عليه البرلمان “السلطة التشريعية” في تفصيل وتحديد واجبات ومهام السلطان داخليا وخارجيا، وتحديد الملفات السياسية وحتى الحقائب الوزارية التي تتبع له بصورة مباشرة.

رغم أن نظام السلطان قابوس يصنّف على أنه نظام ملكي مطلق، لغياب توزيع العمل السياسي وتحكم السلطان في كافة مواقع القرار السياسي المدني والأمني والعسكري والاقتصادي والقانوني، إلا أنّ غياب وشغور منصب ولاية العهد أمر لا نجد له تفسيرا واضحا للآن، هل هي عقيدة “مذهبية” يتبعها السلطان، أم عادة “قبلية” لأسرته الحاكمة ينفذها السلطان أسوة بمن سبقوه، إلا أنه ومن المؤكد، أن ذلك لا يمثل إلا وجها آخر لمدى رغبة السلطان قابوس إلى ضمان القرار السياسي وعدم إشراك أيّ فرد أو جهة، حتى وإن كان الشعب نفسه!.

مابعد قابوس مرحلة آتية، الدعاء بإطالة عمر السلطان لن توقفها، والنوايا الحسنة بالمؤسسة العسكرية أو بأفراد الأسرة الحاكمة لن يغني عن العمل والتحضير للسيناريو مبكرا، ولكن هذا دور المؤسسة التي من المفترض بها أن تكون “تشريعية” وهي مجلس عمان، خاصة جزءها الأهم والذي يمثل الشعب وهو مجلس الشورى.

وضع الجمهور في خانة “المشاهد” من هذه العملية، هي عقبة أخرى في مستقبل عمان الغامض الخالي من “قابوس”، فالمجتمع لا يملك حضورا ولا تواجدا في صناعة القرار السياسي، أي لا يملك الحق في إدارة شؤونه العامة إلا عبر “بعض” الأراء “الاستشارية” التي تقدمها المؤسسة التي تمثله، وهي مجلس “الشورى”، إلا أن هذه المؤسسة بعيدة كثيرا عن التشريع، خاصة في ظل استمرار شغور منصب “رئيس الوزراء” الذي يشغله السلطان “قابوس” بنفسه الفترة الحالية.

Nabhan Al Hanshi
نبهان الحنشي
  • Facebook Social Icon
  • Twitter Social Icon
bottom of page